هل انتهت رحلة سلام «الحبّوني» بنحر جمله؟
من أقصى الشرق الليبي في مسقط رأسه بمنطقة إمساعد، الواقعة على أقصى شمال الحدود مع مصر، وتبعد عن مدينة طبرق حوالي 130 كيلو مترآ، انطلق الشاب الليبي عبد العالي الصايغ الحبوني، على قدميه في رحلة سلام، إلى جميع المناطق الليبية، وفي طبرق أهدى أبناء عمومته «الحبون» جملاً لينطلق معه في رحلته الشاقة، التي عزم على أنه لن يتوقف قبل وصوله إلى منطقة رأس جدير الحدودية مع تونس، مارا على أغلب المناطق الشرقية والغربية قاطعا مسافة تقدر بحوالي 1900 كيلومتر، بالشريط الساحلي الليبي، ليكمل وجهته لمدن ومناطق الجنوب الليبي حاملا معه راية السلام أسوة بباقي مناطق الشرق والغرب.
وعلى ظهر جمله الذي أطلق عليه اسم “رفيق السلام” حمل «الحبوني»، خلال رحلته رسائل محبة لأهالي وسكان المناطق التي يمرّ بها، ولكن أبت العصابات الإجرامية والمليشيات المسلحة، أن تترك شخصًا واحدًا في بلد مزقه الحرب والنزاع المسلح، أن يرفع لواء السلام بديلًا عن السلاح، فقامت تلك العصابات الإجرامية باختطافه ونحر جملة ورفيق رحلته، ليؤكدوا بذلك لجميع الليبيين أنهم كانوا ولا يزالوا أعداءً للسلام ودعاة للحرب والدماء، ولكن من نحر “رفيق السلام” واختطف الشاب عبد العالي «الحبوني».
اعتقال “الحبوني” ونحر جمله
في أمسية شعرية، كان عدد من شعراء بلدية الرجبان قد استقبلوا «الحبوني» في مدينتهم أمس الثلاثاء خلال جولته بالجمل، قبل أن تخطفه المليشيات المسلحة التابعة للمهرب محمد بحرون الشهير “بالفار”.
وكشف عميد بلدية الرجبان عثمان الشعباني، تفاصيل اعتقال الشاب عبد العالي الحبوني، حيث كان يرافقه لحظة الاعتقال، ونقل الصحفي عماد افنيك، عن «الشعباني» قوله إنه اعتُقل مع الحبوني من قبل عناصر كتيبة في بوابة العقربية، في أثناء توجههم إلى مدينة الجميل، بعد ترتيبات مع المكونات الاجتماعية هناك، وتم اقتيادهما إلى مدينة الزاوية، مضيفا أنهما تلقيا معاملة سيئة هناك.
وأكد «الشعباني» أن الجهة التي اعتقلتهما قامت بنحر جمل «الحبوني»، وبعد ضغوطات كبيرة تم الإفراج عنه، فيما تم الإبقاء على «الحبوني».
وخلال اتصال «الشعباني» مع «افنيك»، أكد أن معلومات وردت إليه تؤكد الإفراج عن «الحبوني»، وأنه سيعود إلى مدينة الرجبان.
من هو «الفار»
محمد سالم بحرون الشهير بلقب «الفار» أو بـ «السنون» من مواليد 21 أغسطس 1989 وهو من سكان شارع الخرطوم بوسط مدينة الزاوية، يصفه العديد من المراقبين للمشهد الليبي بأنه أحد قيادات مليشيا «إبراهيم احنيش» بداخل مدينة الزاوية، والتي خاضت حرب النفوذ والسيطرة الإجرامية بالمدينة لسنوات مع مليشيا «الخضراوي» والتي تسببت في سقوط العديد من الضحايا من المدنيين وتدمير ممتلكات المواطنين والمقارات الحكومية .
وشارك «الفار» في أحداث فبراير 2011 ومنها تطورت نشاطاته الإجرامية ومنذ عام 2012، امتلك سجلًا حافلًا بالإجرام والبلطجة داخل مدينة الزاوية من أعمال خطف وقتل وتصفية ونهب الأموال والممتلكات والتجارة بالأسلحة والذخائر بالإضافة إلى تهريب الوقود والإتجار بالهجرة غير الشرعية.
وشارك «الفار» في الحرب الإنقلابية أو ما تعرف بعملية ( فجر ليبيا ) ضمن غرفة ثوار ليبيا والتي تأسست في أواخر عام 2013 بمباركة المؤتمر الوطني المنتهي، وأعطيت لـ «الفار» رتبة «نقيب» مجانا، بعد عملية فجر ليبيا، وأصبح ضابطا في ما يعرف بوزارة الداخلية بحكومة الوفاق .
وشارك «الفار » ضمن صفوف الحشد المليشياوي في مواجهة القوات المسلحة الليبية في محاور جنوب طرابلس منذ أبريل 2019.
وظهر «الفار» ولسانه متدلي (وهي عادة اشتٌهر واتصف بها قيادات وعناصر الحشد المليشياوي) بجانب كابتن طيار (اللواء – عامر الجقم العرفي)، بعد أن أسقطت طائرته أثناء تنفيذه مهام قتالية في 7 ديسمبر 2019 .
«الحبوني»: أحلم بدولة تتسع للجميع
بالعودة إلى الشاب الليبي عبد العالي الحبوني، المختطف حاليا بواسطة مليشيات «الفار»، بعد نجر جمله رفيق السلام، نجد أنه كان قد صرح في وقت سابق في إطار رصد رحلته، قائلًا إن “مبادرته تأتي في إطار ترحيبه بما تحقق خلال الفترة الماضية من إنجازات مهمة، من أجل استعادة الوحدة الوطنية وإقامة سلطة تنفيذية واحدة تنهي الانقسام المستمر منذ العام 2014”.
ولفت الحبوني» في تصريحاته؛ إلى أنّه يحلم كغيره من الليبيين بـ “قيام دولة تتسع للجميع ولا تفرق بين مواطنيها”.
ومنذ بداية رحلته الشاقة، يحظى الرحّالة الشاب بترحيب كبير من سكان المناطق التي يمر بها منطقة بمنطقة، إذ يصر السكان على استضافته وتقديم واجب الكرم له، والتقاط الصور التذكارية معه.
وكان يحمل «الحبوني» على ظهر جمله أدواته البسيطة كخيمته الصغيرة ينام فيها، حينما يحل الظلام، وبعض الملابس والمقتنيات الشخصية كهاتفه النقال وأدوات الشحن والإنترنت، فضلاً عن الماء والطعام والشراب.
استنكار قبيلة «الحبون»
من جانبها أصدرت قبيلة حبون بيانًا أكدت خالاه على أن العمل المشين الذي تعرض له الشاب عبد العالي الصايغ، من نحر لجمله واعتقاله من قبل عناصر مليشيات الزاوية لا يمثل إلا فاعليه فقط.
وقال بيان مصور للقبيلة: “بلغنا بمزيد من الأسى والأسف، ما تعرض له ابننا داعي السلام، عبد العالي الصايغ من نحر لجمله واحتجازه من قبل بعض المحسوبين على مدينة الزاوية. لا لشيء إلا لأنه رفع راية السلام منطلقا بها من أقصى الشرق، محاولا لملمة الشمل، ومخاطبة القلوب الحية الواعية”.
وأضاف البيان “نحن على علم ويقين كبيرين بأن هذا العمل المشين، لا يمثل إلا فاعليه فقط. ولعل الأسى والأسف الذي انتاب شرفاء الزاوية هو ذاته الذي انتابنا”.
وتابع “نناشد في هذه الأثناء شرفاء وعقلاء ومشايخ الزاوية؛ بالتدخل السريع لفك أسر ابننا «داعية السلام» وضمان سلامته، ونؤكد أنه لا حياة بلا سلام والسلام هو الحياة”.
امتحان للسلطة الجديدة
من جانبه دعا عبدالرحمن موسى العبار، النائب العام الأسبق وعضو ملتقى الحوار السياسي، السلطة الجديدة إلى محاسبة المسؤولين عن اعتقال الحبوني ونحر جمله.
وقال «العبار»، في تغريدة له عبر حسابه على تويتر، “أدعو السلطة الجديدة إلى محاسبة من قام بالعمل المخزي الذي تعرض له داعية السلام الحبوني والقبض عليهم وتقديمهم للعدالة لينالوا الجزاء المناسب على جريمتهم”.
وتابع؛ أن ” هذا امتحان لمدى حرصها على تطبيق القانون وسعيها لتحقيق الأمن والاستقرار مع واجب قيامها بتكريم هذا الشاب تعويضا عما تعرض له”.
وأضاف «العبار»، في تغريدة أخرى، قائلًا: إن “ما حصل للحبوني ذلك الشاب البسيط عمل غير إنساني تدينه جميع القوانين والقيم قامت به شرذمة مجرمة ليس من الحكمة أن تعمم أفعالها على جميع أهل المنطقة التي حصل فيها الاعتداء وقد رأينا حجم رد الفعل والإدانة من قبل الكثير منهم وتدخلوا للإفراج عنه ولقي منهم ما يستحقه من تكريم”.
مطالبات بتدخل النائب عبد الله اللافي
وفي سياق متصل، طالب حسن الصغير وكيل وزارة الخارجية الأسبق بالحكومة الليبية المؤقتة، عبد الله اللافي، عضو المجلس الرئاسي، بسرعة التدخل في واقعة اعتقال الشاب عبد العالي الصايغ ونحر جمله من قبل مليشيات الزاوية.
وقال الصغير في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: “عبد الله اللافي هو عضوٍ مجلس نواب عن الزاوية قبل أن يكون عضو الرئاسي”.
وأضاف “على اللافي الانتقال لمكان الحبوني، حيثما وجد وأن يعتذر منه على الملاء ويتوجه بعدها لأهل الحبوني ويعتذر منهم، فإن كانوا ميليشيات فهذا خطاءه كسلطة، وإن كانوا غير ذلك فهم أهله وهو الأولى بتحمل خطاءهم والاعتذار بالنيابة عنهم”.
الوسوم