ملف «الاختفاء القسري».. بين تقصير القوانين ومطالبات بإنشاء هيئة لتقصي الحقائق

صنف العديد من المراقبين للمشهد الليبي ملف الاختفاء القسري كأحد أخطر الملفات على الساحة الليبية في الوقت الحالي، حيث لايزال هناك صعوبة بالغة في رصد الأرقام الحقيقية على أرض الواقع لأعداد الضحايا، وتساءل العديد من المتخصصين هل القوانين الليبية قاصرة عن معاقبة الجناة وهل هناك حلول واقعية لتجاوز هذه الجريمة؟
القوانين قاصرة
“حالات الاختفاء القسري موجودة قبل فبراير”، بتلك الكلمات استهلت المستشار أميمة الفاخري، توضيح وجهة نظرها مضيفة أنه ” بعد فبراير ارتفعت بسبب انتشار السلاح وضعف الأجهزة والانقسام السياسي”.
وأكدت الخبيرة القانونية، أن “القوانين الليبية ومنها الجنائية مثل قانون العقوبات. أذكر هنا القانون رقم (10) لسنة 2013، الصادر من المؤتمر الوطني بشأن التعذيب والاختفاء القسري والتمييز. وقد يلاحظ الكثير أن العنوان كبير وغير متناسق وكل كلمة تحتاج لقانون وحدها.
وواصلة «الفاخري»: “القوانين موجودة فقط تحتاج لإعادة نظر لعدم اتفاقها مع اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية، التي انضمت لها دولة ليبيا”.
وتابعت؛ القوانين قاصرة لاحتياجها لتعديل وتطوير ووضع قوانين جديدة. كذلك ضعف الأجهزة الأمنية وانتشار السلاح وكذلك قوانين العفو التي تصدر وضعف الدولة وهشاشتها كلها عوامل لا تساعد على التغيير.
«الفاخري»، لفتت إلى أن “الاختفاء القسري يُشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني. وهو اعتداء على حقوق وكرامة الإنسان”، معقبة أنه “من حق الإنسان الاعتراف به أمام القانون، والحق في الحرية والأمن وحق الحياة وسلامة الجسد”.
وختمت موضحة أن “المصالحة تتطلب جزءاً من الحقيقة ليست نفس العدالة الانتقالية التي تتطلب الحقيقة كاملة، فالمصالحة تقوم على تدابير للثقة من بينها المطالبة بالكشف عن المختفين قسراً وخاصة إذا كانت المسألة ذات طابع قانوني وليست عرفية صرفة”.
الفوضى والحروب
ومن جانبه، قال الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا عبد المنعم الحرة، إن “الفوضى والحروب، تُشكلان أفضل مناخ لتنامي كل صنوف الجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان، وخلالهما يتم وأد الحريات بكل أنواعها”.
وتابع؛ “فالمقاتل متحفز لقطع دابر كل من يرفع عقيرته منتقداً أو معترضاً بحجة التفرغ للعدو وإخماد كل الأصوات التي تعلو فوق صوت المعركة، ناهيك عن جرائم الحرب والانتقام من الخصوم بالتهجير والتصفية والتعذيب وهدم البيوت ونهب الممتلكات، وغير لك”.
وأكد «الحرة»، أن “جريمة الاختفاء القسري من أخطر أنواع الجرائم، لاحتمال حصول انتهاكات عديدة لأنواع مختلفة من الحقوق، معالجة ملف حقوق الإنسان بليبيا هو بحاجة إلى حزمة متنوعة من الإجراءات على الصعيد الوطني والدولي. إذا توفرت الإرادة الوطنية يمكن معالجة العديد منها تحت غطاء ملف العدالة الانتقالية.
مكافحة الإفلات من العقاب
وفي سياق متصل، رأى الناشط الحقوقي رمضان العمامي أن “من أهم عناصر المصالحة الوطنية الناجعة هو كشف الحقيقة والمكاشفة، والتحقيق بشفافية وحياد كامل في كل الأحداث والجرائم والانتهاكات ومنها الاختفاء القسري، وإظهار حقيقة ما حدث أولاً لنتمكن بعدها من تحويل المصالحة بعد ذلك الى واقع عملي مُعاش، وهذا لم يحدث على مدار السنوات العشرة الماضية. ولا قبلها”.
وتحدث «العمامي» عن عدم وجود تصور حقيقي عن أعداد المختفين قسرياً. لافتاً: “للأسف لا يوجد أي عمل على مستوى وطني سعى في السابق أو يسعى حالياً لتقصي حقيقة هذه الجرائم وغيرها من الانتهاكات، ومحاولة الوصول إلى أرقام يمكن الوثوق بها أو الركون إليها في أعداد المختفين قسرياً، وتحديد هوية الجناة يسهم في تحقيق المصالحة الوطنية”.
وأردف أنه “لا يمكن إيقاف هذه الجريمة إلا بالمحاسبة ومكافحة الإفلات من العقاب وضمان الوصول للعدالة لجميع الضحايا من خلال قضاء قادر وغير خائف ولا عاجز عن تحقيق العدالة، ويملك أدوات تنفيذية قادرة على فرض أحكامه، إضافة الى منظومة تشريعية قانونية تواكب ما حدث وتتعامل مع استثنائية الظرف الراهن ولا تستخدم قوانين عقابية عامة لمعالجة مسائل غاية في التعقيد، نتجت عن ظروف غير طبيعية مرّت بها البلاد على مدار خمسين سنة على أقل تقدير”.
هيئة لتقصي الحقائق
وعلى جانب آخر ـ تُتابع الحقوقية والباحثة في النوع الاجتماعي حنين بوشوشة ـ مفهوم المصالحة الوطنية هو مصطلح لم يتم الاتفاق عليه كمعنى، أقصد ليس الجميع يرى مفهوم المصالحة الوطنية بنفس المعنى أو بنفس المفهوم وهذه إشكالية كبيرة. هناك من يرى أن العدالة الانتقالية تأتي أولا، ومن ثم المصالحة نتيجة لهذه العملية. دون جبر الضرر والكشف عن مصير المختفين قسرياً.
وتعتقد “بوشوشة”، أن “المصالحة هي نتيجة من نتائج العدالة الانتقالية، ومن الضرورة وجود آليات للتعامل مع قضايا الاختفاء القسري وتقصي الحقائق وهذه من آليات المصالحة ومعرفة مصير المختفين، هل مازالوا على قيد الحياة؟ وماذا حل بهم خلال فترة اختفائهم؟، هل هناك تعذيب تعرضوا له؟ ومعرفة مدى الضرر الذي لحق بهم”.
وأكدت “بوشوشة”، أنه “ومن خلال تواصلها بشكل مباشر مع بعض العائلات ممن لديهم ضحايا الاختفاء القسري، تبين في المحصلة أنه لا يمكن تجاوز الضرر الذي وقع على عائلة الضحايا أيضاً”.
وأكدت أن “الحل يتمثل في وجود آليات تحدد مفهوم العدالة الانتقالية لأنها جزء خطير جداً في المصالحة. إذ إنه خلال السنوات العشرة الماضية تغيرت بعض المفاهيم وتغير منظورنا حتى للضحايا أنفسهم، على سبيل المثال العام 2011، كان هناك عدد من الضحايا في نظر بعض الناس مجرمين والآخرين هم الضحايا”.
وأكملت؛ “بعد فترة تبيّن أن هناك ضحايا من هذه الفئة، على سبيل المثال تاورغاء، التي تُعد أكبر جريمة ضد الإنسانية في ليبيا، وإلا كيف نُفسّر تهجير مدينة بالكامل. بمعنى (35000) عائلة ليبية تُهجّر. هذا الرقم ليس بالبسيط”، بحسب قولها.
وطالبت «بوشوشة» بضرورة “إنشاء هيئة لتقصي الحقائق، أعضاؤها من جميع فئات المجتمع لجبر الضرر، وبعد ذلك تأتي المصالحة”.