في حديث ترجمته “الساعة 24”.. قائد إيريني: أعددنا خطة لتدريب الليبيين وننتظر الضوء الأخضر

كشف الأدميرال ستيفانو توركيتّو، قائد عملية إيريني في البحر المتوسط، أن هناك خطة جديدة لتدريب حرس السواحل والبحرية الليبية “جاهزة”، وفي انتظار الضوء الأخضر من الاتحاد الأوروبي.
وجاء ذلك خلال حوار أجرته وكالة الأنباء الإيطالية “نوفا” مع توركيتّو، مؤكدة أنه أتى في لحظة استثنائية مرتبطة بالأزمة الأوكرانية، إذ يُعرّض الصراعُ الأمنَ الغذائي لدول شمال إفريقيا والشرق الأوسط للخطر، في الوقت نفسه يملك الاتحاد الأوروبي أداة أساسية ليس فقط لأمن البحر الأبيض المتوسط ودول البحر المتوسط، وليبيا، ولكن أيضًا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، ألا وهي عملية “إيريني”.
وترجمت “الساعة 24” الحوار الذي أجرته “نوفا” مع توركيتو، بمناسبة مرور 6 أشهر على تعيينه قائداً لعملية “إيريني”، وعشية مُضي عامين على بدء المهمة الأوروبية.
سيرة ذاتية
وسردت الوكالة الإيطالية في بداية الحوار جزءا من سيرة توركيتو الذي وُلد في مدينة تريفيزو في 19 مارس 1966، وهو متزوج ولديه ولدان، ويملك أكثر من 35 عامًا من الخبرة في البحرية الإيطالية، ويتمتع بخلفية دولية كبيرة.
ومن عام 2012 إلى عام 2013، على سبيل المثال، كان قائد المدمرة الإيطالية “أندريا دوريا”، التي عملت في المناورات الوطنية الإيطالية الرئيسية، ودعم الخوذ الزرقاء الإيطالية المنتشرة في لبنان كجزء من مهمة “اليونيفيل” لحفظ السلام.
ومن 2018 إلى 2019 كان قائدًا لقوة عملية “صوفيا”، ثم تولى قيادة الفرقة البحرية الأولى الإيطالية، ومقرها مدينة “لا سبيتسيا” الإيطالية. خلال فترة ولايته كان قائدًا تكتيكيًا أربع مرات لعملية “البحر الآمن”، التي تعمل في وسط البحر الأبيض المتوسط.
سجل المهام
وأجرت إيريني، التي تعني “السلام” باللغة اليونانية، حتى الآن أكثر من 6300 عملية “نداء”، أي استعلامات التحكم اللاسلكي للوحدات التجارية، وجمعت معلومات عن أكثر من 800 رحلة مشبوهة، وراقبت 16 ميناء ومحطة نفطية و 25 مطارًا.
كما نفذت العملية إيريني أكثر من 250 زيارة للسفن التجارية في منطقة العمليات بموافقة قادتها (ما يسمى بالنهج الودي)، و 22 عملية تفتيش للوحدات التجارية المشتبه في انتهاكها للحظر، وتم الحصول على المعلومات من مركز الأقمار الصناعية التابع للاتحاد الأوروبي، الذي قدّم 1200 مجموعة من صور الأقمار الصناعية.
وأرسلت العملية إيريني 35 تقريرًا خاصًا إلى الأمم المتحدة تصف الأحداث أو تنقل المعلومات ذات الصلة بشكل خاص، كل هذا تم أثناء العمل دون الحد الأدنى من متطلبات التشغيل المتوخاة.
مراقبة بحرية وجوية
واستعرضت “نوفا” التشكيل التشغيلي للعملية إيريني، إذ توجد حاليًا قطعتان بحريتان هما الفرقاطة “غريكالي” “Grecale”، التابعة للبحرية الإيطالية، والتي دخلت للتو للعملية كسفينة رئيسية، والتي يوجد على متنها قائد القوة أيضًا، وقطعة أخرى تابعة للبحرية اليونانية.
وعن ذلك تحدث الأدميرال توركيتو قائلا: “كانت هناك لحظات في الماضي القريب (نوفمبر – ديسمبر 2021)، عندما كان لدي أيضًا خمس وحدات بحرية تحت إمرتي، ففي عام 2021، كان متوسط عدد الوحدات البحرية المتوفرة يومياً ثلاث وحدات”.
وتعمل إيريني أيضًا من الجو، بطائرة إيطالية موجهة عن بعد وطائرتين للدوريات البحرية والاستطلاع، تزودهما بولندا ولوكسمبورغ.
من جانبهما، ساهمت فرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا بدلاً من ذلك بأربع طائرات، لكنها تقتصر على عدد قليل من المهام شهريًا، وإلى ذلك أوضح توركيتو: “إجمالاً، لديّ ست طائرات متاحة لرصد منطقة العمليات، وتواصل إيطاليا قبل كل شيء، في لحظة من الخطورة الاستثنائية المرتبطة بالأزمة الأوكرانية، ضمان مساهمة عالية للغاية من حيث الأصول والأفراد، وأنا، بصفتي إيطالي، فخور بشكل خاص بهذا”.
يد الاتحاد الأوروبي
وتابع الأدميرال: “الأمن البحري بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وهو أحد المجالات الأكثر صلة بسياسة الأمن والدفاع المشتركة، وتعد عملية إيريني حاليًا واحدة من أهم الأدوات وجزءًا من النهج المتكامل للاتحاد الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا، وأود أن أؤكد أن عملية إيريني محايدة ومتوازنة ولها مهمة واضحة تتمثل في تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي “.
وتتمثل المهمة الرئيسية للبعثة، التي يقع مقرها في روما في المساهمة في تنفيذ حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، لكن المهام الثانوية مهمة أيضًا، مثل مراقبة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في ليبيا “يوبام”، ووكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية “، وفقاً للأدميرال توركيتو.
حظر التهريب
وفي هذه المرحلة السياسية المضطربة بشكل خاص في ليبيا، من الضروري مراقبة أي صادرات غير مشروعة من النفط الخام، “التي لا تمر عائداتها عبر المؤسسة الوطنية للنفط، والتي من شأنها أن تغذي عدم الاستقرار في ليبيا، مما يزيد من تفضيل الاتجار غير المشروع بالبشر، وكذلك تهريب الأسلحة للفصائل المعارضة مما يعرض للخطر وقف إطلاق النار الهش الساري”، وفقاً لقائد عملية إيريني.
وتابع الأدميرال توركيتو: “يهدف عملنا إلى تقديم تقارير إلى الأمم المتحدة، من خلال إصدار تقارير مخصصة، عن الأحداث والمواقف المتعلقة بهذه الظاهرة، وتجري الآن مرحلة دراسة على المستوى الأوروبي تتعلق بإمكانية جعل الإجراء أكثر فعالية”.
من ليبيا إلى جنوب الصحراء
وتذكر “نوفا” أن الوضع السياسي في ليبيا متوتر للغاية بسبب المواجهة المستمرة بين تحالفين متنافسين، فمن جهة، هناك حكومة الوحدة الوطنية، التي تحظى بدعم من الأمم المتحدة، بقيادة رئيس الوزراء “المؤقت” عبد الحميد الدبيبة، الذي ينوي البقاء في منصبه رغم استحالة إجراء الانتخابات، ومن ناحية أخرى، هناك ما يسمى بحكومة الاستقرار الوطني، غير المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، والمعينة من قبل مجلس نواب الليبي، بقيادة فتحي باشاغا، وبدعم من المشير خليفة حفتر، والتي ترغب في الاستقرار في طرابلس في أسرع وقت ممكن.
وتضيف: “دق فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة وقيادة قوات الأفريكوم مرارًا وتكرارًا ناقوس الخطر بشأن وجود مرتزقة روس وأصول عسكرية روسية في ليبيا” على حد قولها.
وتستكمل: “عند سؤاله عن الموضوع، يدعونا الأدميرال توركيتو ليس فقط للنظر في السيناريو الليبي، ولكن لتوسيع مجال الرؤية إلى المنطقة ككل، إذ يرتبط أمن ليبيا ارتباطًا وثيقًا بأمن منطقة الساحل والعكس صحيح، وبالتالي فإن عمل إيريني في مكافحة الاتجار غير المشروع بالبشر بشكل عام يمكن أن يتردد صداه فعليًا حتى في السيناريوهات البعيدة عن البحر، مثل جنوب الصحراء، ومن الواضح أنه ليس فقط في المنطقة القارة الأوروبية”.
أضاف الأدميرال، مشددًا على أن الصراع في أوكرانيا لم يغير” التفويض والموقف الذي تحاول به العملية إيريني تنفيذ حظر الأسلحة بطريقة محايدة ومتوازنة تجاه أي شخص يحاول انتهاكه “.
خطة تدريب الليبيين
وتشير الوكالة الإيطالية إلى أن من بين المهام الثانوية الأخرى للبعثة، المساهمة في تطوير قدرات وتدريب خفر السواحل والبحرية الليبية، ولا سيما لمكافحة الاتجار بالبشر، فمنذ إطلاق عملية إيريني في أبريل 2020، وبسبب استمرار الجمود السياسي في ليبيا، لم تبدأ إيريني بعد هذا النشاط، الذي لا يمكن أن يتطور إلا بعد اتفاقات مع الحكومة الليبية وبناءً على طلبها.
ومع ذلك، يوضح القائد توركيتو، أن إدخال الأداة المالية الجديدة المخصصة لقطاع الأمن المشترك وسياسة الدفاع، “مرفق السلام الأوروبي”، يمكن أن يجذب الاهتمام السياسي الليبي.
وأضاف قائد إيريني: “من الواضح أن الأزمة الأوكرانية الحالية والأزمة السياسية الليبية عاملان يعتبر حلهما ضروريًا للمضي قدمًا بسرعة في تنفيذ هذه المهمة”.
ولفتت “نوفا” إلى وجود خطة جديدة لبدء تدريب الليبيين “خفر السواحل” جاهزة وتنتظر الضوء الأخضر من بروكسل، وفي هذا الصدد قال الأدميرال توركيتو: من أجل العمل مقدمًا، حللت إيريني الاحتياجات الليبية، وأعدت وثيقة تقترح خطة تدريب وبناء قدرات واسعة، وتم إرسال الوثيقة مؤخرًا إلى الدول الأعضاء لمشاركتها والموافقة عليها، وفي حالة الموافقة عليها، يمكن مشاركتها لاحقًا مع السلطات الليبية، حتى تتمكن من تقييمها وإصدار طلب رسمي، كما هو مطلوب بموجب لائحة صندوق “مرفق السلام الأوروبي” عند استخدامه لتقديم المساعدة إلى دول ثالثة.
وبيّن قائد إيريني أنه تم تصميم الخطة لتطوير القدرات الليبية في مجالات العمليات والصيانة واللوجستيات والتدريب، بهدف تحسين التنمية المتوسطة والطويلة الأجل والاستدامة للوظائف التشغيلية لخفر السواحل والبحرية الليبية، مع إشارة خاصة إلى أنشطة الإنقاذ في البحر.
الصراع الأوكراني الروسي
واليوم، يتم تداول حوالي 90% من السلع العالمية عبر الطرق البحرية، وهذا هو سبب أهمية حرية الملاحة والأمن والاستدامة واحترام القانون الدولي بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وشرح الأدميرال توركيتو أنه “غالبًا ما تعبر هذه الطرق المساحات البحرية المعرضة لتوترات جيوسياسية معقدة، مما يسلط الضوء على التحديات الجديدة والمنافسة المتجددة على القوة العالمية، ويعرّض الصراع الأوكراني الأمن الغذائي للخطر بالنسبة لمعظم بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولهذا يبدو أن المكون البحري في الاتحاد الأوروبي ضروري بشكل متزايد للقيام بمهام الأمن البحري، أيضًا في ضوء السياق الدولي المتغير”.
وتنتهي ولاية عملية إيريني في نهاية مارس 2023، وستبدأ مرحلة المراجعة الاستراتيجية في الخريف القادم، ويوضح قائد العملية أنه مع الحرب في أوكرانيا، فإن “مفهوم الأمن في أوروبا يتغير بالفعل وهناك العديد من التوقعات الموضوعة في البوصلة الإستراتيجية المعتمدة مؤخرًا، من تطور هياكل القيادة إلى تكييف نظام الاستجابة السريعة للاتحاد الأوروبي، وإعادة تحديد مستوى الطموح العسكري”.
وختم الأدميرال توركيتو بقوله: تعتبر إيريني “بلا شك عملية حقيقية لها هوامش واسعة للتنمية، إنها عملية الأمن البحري الرئيسية للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط ، ولا يمكن أن يكون تطورها المستقبلي إلا في نطاق المهام التي يتصورها المفهوم الأوروبي الجديد الأخير لعمليات الأمن البحري”.