الرئيس قيس سعيد وشخصنة السلطة

ياسين عبدالقادر الزوي – باحث في الشؤون الإفريقية
انتهت قبل أيام الجولة الثانية من حملة الانتخابات التشريعية في تونس ، وهي أخر المحطات في خارطة طريق ما بعد 25 يوليو 2021 التي يعتبرها البعض انقلابا على الدستور ، بينما يراها أخرون تصحيحا للمسار الديمقراطي.
ولقد سبقت هذه الانتخابات التشريعية الأخيرة جولة أولى نفذت في شهر ديسمبر الماضي ، وقبلها تم تنظيم استفتاء على الدستور ، وأيضا الاستشارة الإلكترونية !
ورغم المشاركة المتدنية جدا في جولتي الانتخابات التشريعية نسبة كذا 11% إلا أن بعض المراقبين سجلوا للسلطات التونسية عدم اللجوء للتزوير والتدليس مع أنه كان بمقدورها القيام به لو أرادت ذلك!
كما حسب للسلطات التونسية نجاحها في تنظيم هذه المحطات الانتخابية الواحدة تلو الأخرى، ولم تسفك قطرة دم واحدة .
اما اللغط المثار حول تدني نسبة المشاركة ، فهو امر اعتيادي بعد كل استحقاق انتخابي، حيث يفسره البعض كنتيجة حتمية للمقاطعة من قبل الأحزاب التونسية الوازنة، و ذلك اعتراضا على القانون الإنتخابي. بينما يرجعه البعض لظاهرة عزوف التونسيين عن الحياة السياسية ، بسبب الإحباط الشديد من الوضع الإقتصادي العام و تزايد وتيرة تكلفة المعيشة في تونس منذ سنوات!
كما قد يكون تدني نسبة المشاركة نظرا لعدم وضوح الرؤية !
ومما لاشك فيه ان القانون الانتخابي الذي جرت بمقتضاه الانتخابات التشريعية كان صعبا ومغلقا ومعقدا، بمعنى أنه فرض قيودا شديدة على المرشحين مثل: أن يجري الاقتراع على الأفراد وليس على الأحزاب، وكذلك فمن يفوز بالمقعد البرلماني يحظره عليه العمل في قطاع أخر ، و منع إمكانية لتغيير الانتماء السياسي أو ما يعرف ببعض الدول بالسياحة الحزبية (الترحال السياسي ) ، وأيضا سحب الوكالة بمعني أن يقوم ناخبو الدائرة بسحب وكالة هذا النائب إذا ما ترك الدائرة أو لم يقم بواجبه الانتخابي.
ومن المؤكد إن هذه النقاط وغيرها دفعت الكثير من الأحزاب والقوى السياسية ورجال الأعمال إلي عدم المغامرة بالترشح لهذا البرلمان ذي الصلاحيات المحدودة في ظل تركز معظم السلطة في يد الرئيس.
إن إكتمال هذه الإستحقاقات المختلفة وعودة الحياة البرلمانية وإمكانية تشكيل حكومة جديدة من واقع الخريطة البرلمانية المنتخبة ، كل ذلك سوف يخفف بعض الضغوط على الرئيس التونسي الذي
نجح بشكل ما في الوفاء بتعهداته من ناحية الإلتزام بالمواعيد المقررة من دون تلكوء والإلتزام بخارطة الطريق مابعد 25 يوليو .
ومما لاشك فيه ان هناك تساؤلات كثيرة تطرح من قبل المتابعين والمراقبين للوضع التونسي حول مستقبل العملية السياسية في هذا البلد المغاربي .
والسؤال الأكثر أهمية هو طريقة الرئيس قيس سعيد في إدارة الدولة التونسية؟
يوجد هناك شبه إجماع في تونس والمنطقة إن الرجل قفزت به الأقدار لقيادة تونس في ظل حالة عجز حزبية واضحة وتضارب أجندة الأحزاب السياسية التونسية ، حيث رأت حركة النهضة وهي الحزب الأكبر وبعض الأحزاب أن هذا الرجل يمكن أن يكون الشخص الذي يستطيع دغدغة مشاعر الشارع التونسي بما يمتلكه من رصيد شخصي محترم بعيدا عن أية تجاذبات سياسية، في حين توقعت الاحزاب السياسية التونسية ان تكون بيدها السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان. وذلك في ضوء إجادتها للعبة البرلمانية طيلة عشر سنوات مضت!
وتعاطف كثير من التونسيين مع المرشح الرئاسي الذي يدير حملته الإنتخابية من شقة صغيرة مع كثير من المتطوعين العاديين، ولقد حصل الرجل على فوز مقنع بتأييد شعبي كبير جدآ وهذه أشياء لايمكن لأي طرف التشكيك فيها أو إنكارها .
إنني أعتبر نفسي من المهتمين بتونس البلد الشقيق والجار وأحترم كثيرآ تجربتها الديمقراطية الوليدة.
كما سبقت لي الكتابة عن تونس بمقالين أحدهما صبيحة 25 يوليو، و الثاني بعد الإستفتاء على الدستور الجديد.
وكنت ومتابعين كثر للشأن التونسي نتعجب من قدرة هذا الرجل على اتخاذ هذه القرارات الصعبة والكبيرة ويواجه بمفرده حزبا مؤدلجا مثل حركة النهضة ( المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين ) ، وغيرها من أحزاب وتيارات سياسية .
مما لاشك فيه ان هناك ظروفا كثيرة ساعدت الرئيس قيس سعيد في تحجيم هذه الأحزاب والظهور بمظهر الرجل القوي الحاسم المدعوم بمزاج شعبي عام عبر عن غضبه من أداء البرلمان والحكومات المتعاقبة في تونس طيلة عشر سنوات سلفت.
وتعيش تونس – حاليا- ظروفا إقتصادية ضاغطة جدآ وغير مسبوقة، تركت آثارها على كل مناحي الحياة .
وهذه الأوضاع وضعت الرئيس قيس سعيد وحكومته التي جاءت بوعود كبيرة لجهة الإصلاح وتحسين الأوضاع في مواجهة حقيقية مع فئات الشعب المختلفة، حيث تعاني الأغلبية من فقد المواد التموينية مع انهيار قدرة التونسيين الشرائية أمام تفاقم التضخم، وأثبتت الحكومة في مواضع كثيرة انها بلا برنامج إنقاذ ولا رؤية جدية واضحة ، بل أظهرت ارتباكا ملحوظا في كل المجالات، وأخر ما كان ينقص الحكومة هو قيام وكالة موديز بتخفيض التصنيف الائتماني لتونس مع نظرة سلبية وعللت ذلك بعدم قدرة البنك المركزي على توفر ضمانات على الإيفاء بإلتزاماته!
لقد أتيحت للرئيس قيس سعيد فرصة حقيقية لقيادة مشروع وطني في تونس يستطيع أن يستوعب تطلعات التونسيين وكان يمكنه أن يجد مساحات كبيرة للتوافق بين القوى السياسية والنقابية المختلفة ويشكل إطارا واسعا يستطيع من خلاله قيادة تونس بتوافق مريح يساعده في تحمل أعباء الأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة.
لذلك تبدو خطوات الرئيس قيس سعيد غير مفهومة لكثير من المتابعين والمراقبين للشأن التونسي، فبعد سجالات مع القضاء والأحزاب فإن أخر ما كان ينقصه أن يفتح جبهة مواجهة مع تنظيم نقابي عريق في تونس مثل الاتحاد التونسي للشغل الذي يعتبره كثير من التوانسة سليلا للحركة الوطنية التونسية وله مكانة في قلوب الجماهير وارتبط اسم مؤسسيه الأوائل بحرب الاستقلال وللإتحاد التونسي للشغل محطات مهمة واجه فيها الرئيس الراحل المؤسس الحبيب بورقيبة وأيضا الرئيس الأسبق بن علي ورغم سلسلة الخطوات التي اتخذها الرئيس.