ليبيااخبار مميزة

محمد أحمد: الانفلات في الانفاق الحكومي غير مسبوق

تعليقا على البيان الصحفي للمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي حول تقييمه للاقتصاد الليبي

بينما تنص المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء والتي تتم في العادة على أساس سنوي، يقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسؤولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية في هذا البلد، ومن ثم تصدر توصيات عن المجلس التنفيذي لمدراء الصندوق حول رؤيتهم لكيفية حل المشاكل النقدية والاقتصادية التي يعاني منها الوضع، ألا أنه لم يتم مع ليبيا تفعيل استشارات هذه المادة الرابعة ألا بعد توقف دام عقدًا من الزمن حيث كانت آخر استشارة تمت في سنة 2013. وقد أدى تجزئة الدولة التي أعقبت تغيير النظام السياسي في عام 2011 إلى تعليق إنتاج المؤشرات الاقتصادية الرئيسية وتعقيد عملية صنع السياسات، مما أدى إلى صعوبات في إجراء مشاورات المادة الرابعة في ليبيا.

وقد أعلن صندوق النقد الدولي عبر بيان صحفي يوم 25/04/2023 أن صندوق النقد قد أجرى مشاورات بناء على المادة الرابعة مع السلطات الليبية حول الأوضاع النقدية والاقتصادية في الدولة، بعد ما أدعى الصندوق بأن السلطات في ليبيا أحرزت مؤخرًا تقدمًا يستحق الثناء نحو تحسين تبادل البيانات وجمعها والشفافية. وإلى جانب المرونة التي توفرها إستراتيجية صندوق النقد الدولي الجديدة للدول الهشة والمتأثرة بالصراعات (FCS)، حيث مهدا الطريق لاستئناف مشاورات المادة الرابعة.

كنت شخصيا قد راقبت تحليلات صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي عن الاقتصاد الليبي خلال السنوات العشر الأخيرة وقد شاركت الأصدقاء عبر بعض البوستات عبر تحليلاتي كيف أن هاتين المؤسستان قد قدما توقعات منحرفة إلى حين توقف البنك الدولي عن الاستمرار في هذه التحليلات بناء على ما قال إنه عدم اليقين في البيانات الليبية.

عودة الصندوق إلى التعامل مع الاقتصاد الليبي عبر المادة الرابعة هو لافت للنظر، وبينما يمكن استشعار الأسلوب الدبلوماسي الذي عبر به الصندوق بالثناء عنما قال إنه شفافية من السلطات الليبية ألا أنه استدرك سريعا بإشاراته إلى “استراتيجية الدول الهشة” وهو تعبير مبطن يشير إلى عدم تصديق أو اعتماد بيانات هذه الدول في تحليلاته. فالخلاصة هنا أن الصندوق يقول بوضوح أن البيانات التي يستلمها من السلطات الليبية ستخضع إلى تمرينها عبر استراتيجية خاصة تتعامل مع شبهات معينة.

البيان الصحفي في رأيي الشخصي لم يسفر عن الكثير من النتائج فهو إعادة شبه روتينية لما كان الصندوق يردده منذ زمن حول الاقتصاد الليبي وربما الاقتصادات المشابهة في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط (النفطية خصوصا). ولكن هناك نقاط يجب أن تؤخذ في الاعتبار وهي:

أولا: يعترف الصندوق خلافا لكثير من الآراء أن إطار العمل المؤسساتي في ليبيا ساعدها في فترة شديدة التقلب من فوضى الاقتصاد الكلي. هذا الإطار هو الذي حافظ على حجم كبير من الاحتياطات الأجنبية والتحكم الرأسمالي. وبينما نشهد هجوما عاتيا على هذا الإطار المؤسسي والذي تم تأسيسه في ليبيا منذ استقلالها كدولة، من قوى كثيرة داخلية وخارجية ألا أن الروح الوطنية للعديد من أبناء ليبيا لازالت تقاوم بشدة وتحاول التمسك بهذا الإطار القانوني ليس في مجال السلطة النقدية فحسب، بل في جميع المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية ليكون لها سفينة النجاة.

ثانيا: يتوقع صندوق النقد الدولي وأنا أتفق معه بأن الاقتصاد الليبي سيعتمد على قطاع النفط والغاز في المستقبل المنظور. ويتوقع وفقا للجدول المعروض مع البيان الصحفي بأن الإنتاج النفطي سيرتفع إلى 1.45 مليون برميل يوميا في سنة 2030 وهو رقم جدلي، ولكنه للأسف أقرب للواقع في ظل غياب خطة استثمارية وغموض مصادر التمويل لرفع الإنتاج.

ثالثا: يبدو من توصيات مدراء المجلس التنفيذي للصندوق (رغم موافقتهم المبدئية على تحليلات فريق الباحثين) أنهم غير راضيين عن مستوى استجابة المؤسسات الحالية للتحديات الاقتصادية، وقد أقروا أن هناك جهدا مكثفا يجب أن يبذل لتحديث إطار عمل قطاعات السياسة المالية والنقدية مع التركيز على توفير البيانات اللازمة ودعم التنوع الاقتصادي.

رابعا: أما الملاحظة الأكثر أهمية هي:

وهو الطريق الذي أجده شخصيا أكثر ملائمة للإصلاح الاقتصادي، وهو ينطلق بداية من التحكم في الانفاق الحكومي والذي يشهد حاليا انفلاتا غير مسبوق، ومن ثم التوقف اراديا عن المجاراة في هذا الانفاق، كما أن الإصلاح الضريبي هو من أهم اركان الإصلاح الاقتصادي في ليبيا وذلك بتنويع القاعدة الضريبية التي تتكأ في الأغلب على الموظف الحكومي، كما أن الصندوق بالرغم من كل المحاذير في هذه النقطة يعترف بأن إصلاح نظام الدعم الحكومي يجب أن يكون تدريجيا وأن يرتبط ببرنامج للإنفاق الاجتماعي وتطوير البنية التحتية، والتركيز في المدى المتوسط مع إصلاح إدارة المشروعات المملوكة للدول.

لاحظوا هنا أن هذه توصيات المجلس التنفيذي لمدراء صندوق النقد الدولي وليست توصيات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.

خامسا: بإلقاء نظرة سريعة على الجدول المنشور مع البيان والذي يوضح توقعات الصندوق للاقتصاد الليبي حتى سنة 2030 يتضح أن أهم الأرقام التي يمكن أن نستمد منها مدى استقراريه النظام الاقتصادي والنقدي الليبي غير متوفرة ما يدل على استمرار حالة الضبابية رغم كل ما قيل عن الشفافية الأكثر أو الاستراتيجية المرنة واهم هذه الأرقام هي:

1. عرض النقود الإجمالي

2. العجز المالي للحكومة الليبية والذي يوضح عجزا هائلا في 2021 بقيمة 94 مليار دينار ليبي، ومن ثم تتوقف التوقعات

3. توقعات سعر الصرف لما بعد 2023

4. اما عن التضخم فأن التوقعات غير دقيقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى