شلقم: ليبيا كانت مصنعاً للفرح والأغنيات.. واليوم للسلاح والدم

قال عبد الرحمن شلقم وزيرة الخارجية الأسبق، إن: “ليبيا تطوف اليوم في تيه ابتلع العقل وانفرط فيه عرجون فل من إبداع شجرة وطن زرعها التاريخ وضمير الحياة الليبية بجذورها العميقة في كيان الزمان والمكان. سائل الصديد، مرض التشوه الذي ينزُّ من مسام العبث الجنوني، لكن عرجون الفل هو الحلم الخالد الذي لا يفارق عنق الوطن الليبي، الذي يقرع ناقوس العشق المقدس الساكن في ضمير الوطن. ليبيا أغنية لها حواس تنبض وستنهض رغم صرخات الجهل المسلح” وفق قوله.
أضاف في مقال بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، أن: “ليبيا التي تتمدد أقدامها في مياه البحر الأبيض المتوسط الذي تغوص فيه فلسفة الحضارات، وتعبر قوافلها مفازات الصحراء الكبرى تحمل لها الإسلام، وفقه الإمام مالك بن أنس، ويقيم فيها الشيوخ الليبيون ممالك قارعت التنصير والاستعمار الفرنسي. ليبيا اليوم صفحة تنتظر أن يكتب عليها أولادها شيئاً بحبر عشق الأولين. لكن أين الأقلام وأين الصحف التي يرسم سطورها الحب والعشق ويرش فوقها عطر الحياة” وفق قوله.
وتابع قائلًا: “السلاح صار هو القلم، والدم سال في الدواة التي عرفها الليبيون قديماً بـ«الدواية»، يَصبُّون فيها سائل الصمغ، ويضعون فيها بعضاً من صوف الضأن الذي تخثَّر من عرق القبلي الحار الموحي بالحياة التي تنضج ببلح النخيل. ليبيا كانت مصنعاً للفرح والأغنيات. غنَّى لها صوت سكن فيه نفحة الوجد والعشق الفواح، محمد صدقي”.
وواصل قائلًا: “كان الليبيون في ستينات القرن الماضي، يتحلَّقون حول الراديو ينتظرون لعلعة صوته قبل نشرة أخبار الساعة التاسعة والنصف مساءً ليطربهم، وهو يصدح بأغنية «نريد الجَفَا يكويك يومْ بناره… نِينْ تعرفه معنى الغلا وأقداره». نعم، نعم، لقد كوانا الجفاء اليوم بناره أيها الراحل محمد صدقي، وعرفنا معنى الغلا وأقداره. غاب الغلا وحلَّ الجفاء، ونثر نيرانه ولم يعد في النفوس قلوب تشعُّ بالغلا. ليبيا، أغنية غناها أولون، واستمع لها راحلون، وتجمَّدت في زمن دفنته الرمال، كما ترش الرمال ترابها على زمن مات في جوف تيبّس. ليبيا أغنية الزمان الذي أرهق ذاته، ركض بين البر والبحر، بين الفينيقيين والرومان والفتوحات والفاطميين والترك. بين التجارة والقوة والغموض المتفجر” على حد تعبيره.