عودة للعمل السري.. فالاستقالة وحل الجماعة لم يسقطا البيعة
بقلم: الكاتب والسياسي سليمان البيوضيالاستقالات الجماعية من جماعة الإخوان المسلمين والمعلن عنها في مدينة الزاوية في 13 أغسطس 2020 وتبعه أعضاء الجماعة في مصراتة في 22/10/2020، هي بيانات فضفاضة في عمومها كونها لم تحدد بوضوح أسماء المستقيلين ولا الأدوار التي لعبوها في المشهد السياسي الليبي وارتباطهم بالتنظيم ككيان عابر للحدود ينادي بعودة الخلافة الراشدة شأنه شأن كل القوى الإسلامية السياسية الناشئة في تاريخنا المعاصر.فمركزية تشكلها غالبا هو مفهوم البيعة وعودة الخلافة، وتتفرع في مفاهيمها القيمية الأخرى كالولاء والبراء ومفهوم الحسبة والحكم على الناس، وأرض الحرب وأرض الإسلام، وهي مفاهيم تتطلب اجتهادات وغالبا ما تؤدي لبناء التفرعات المسلحة للتنظيمات الإسلامية لتتحول لتنظيمات جهادية، فكل حسب تفسيره للنص يبني مشروعه في الوصول إلى التمكين وعودة الخلافة على منهاج نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.إذًا نحن أمام استقالة لم تعالج مركزية تشكل الجماعة أو التنظيم، وهو البيعة للمرشد أو المراقب أم للجماعة نفسها، فالبيانات الصادرة لم تحمل أي إشارة للمفهوم المركزي المؤسس للتنظيم، وهي البيعة بأركانها العشر، فإن ما صدر لا يمكن التعامل معه إلا سراب يحسبه الظمآن ماء، بل إن عدم وجود أسماء معلنة والإشارة للعمل داخل المؤسسات المجتمعية ينبئ بأن التنظيم وأفراده اختاروا العودة للعمل السري كون الاستقالة لم تشر لمفهوم البيعة وسقوطها من عدمه بإعلان الاستقالة.في تقديري أن أهم ما كشفته البيانات هو صراع الأجنحة داخل الجماعة نفسها ففي البيانين إشارة واضحة لاتفاق بأغلبية مطلقة في المؤتمر العاشر للجماعة في العام 2015م يقضي بحل الجماعة، ولم تخل البيانات من اتهام لقيادة الجماعة بالمماطلة والتسويف في اتخاذ القرار بإعلان حل فرع التنظيم في ليبيا.وقد وصفهم بهذا أحد شباب الجماعة المنسحبين منها بقيادات الخارج، وهذا يفتح باب التساؤل عن أسباب التمرد وعدم الانقياد من قبل عناصر الجماعة في الداخل وقيادتهم، ولما اختاروا نهج الاستقالات والدفع نحو التعقيد داخل الجماعة نفسها، وما يجب الوقوف عنده هو وصف بعض أعضاء الجماعة المستقيلين لهذه الخطوات بأنها تطور يصاحب تطور الأحداث على الأرض، خصوصا مع ارتفاع الصوت بضرورة إنهاء فكرة الفسطاطين داخل المجتمع الليبي فكله إسلامي ومحافظ، رغم أن الشعارات التي رفعت عقب سقوط نظام معمر القذافي كانت تتخذ من شعار الشريعة والمرجعية الإسلامية كأساس بنيوي لتقسيم المجتمع والحياة السياسية أيضا، وهذا الصراع عبرت عنه قيادة الجماعة بشكل علني في إعلانها يوم 23/10/2020، والذي رفض الاستقالات الجماعية وذكر المستقيلين بطرق الاستقالة من الجماعة.في الحقيقة يجب الاعتراف بأن التنظيمات الإسلامية أكثر المشتغلين في الحقل السياسي تنظيما في ليبيا، وأنها تعاملت مع الأحداث بواقعية وشكلت أدواتها على مبدأي فن الممكن والغاية تبرر الوسيلة، وربما هي الوحيدة التي تمكنت في البقاء في الميدان السياسي بشكل متصل، وهو ما يفسر عدم تضمين الاستقالات بأسماء الأعضاء، وهو ما يعني أن ثمة تطوير في العمل الميداني والسياسي و الذي سيكون من ضمن اجتهادات العودة للعمل السري.