مقالات

جمهورية النيجر الديمقراطية الواعدة

بقلم المحلل السياسي ياسين الزوي يتوجه أكثر من سبعة ملايين وأربعمائة ألف ناخب نيجيري إلي صناديق الانتخابات يوم غد الأحد 27 ديسمبر 2020 لاختيار رئيس للجمهورية من بين 30 مرشح وافقت عليهم المحكمة الدستورية وممثلي الجمعية الوطنية( البرلمان ) حيث يتنافس أكثر من 4000 آلاف مرشح على 171 مقعد للجمعية الوطنية وأبرز المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية هم:* محمد بعزوم رئيس حزب الحركة من أجل الديمقراطية والاشتراكية الحزب الحاكم  PNDS-TARYYA  وهو وزير داخلية وخارجية سابق* سينى عمرو مرشح حزب الحركة الوطنية لتنمية المجتمع MNSD وحكم هذا الحزب النيجر من عام 1999 إلي 2010 وهو رئيس وزراء سابق* إبراهيم يعقوبا مرشح حزب الحركة الوطنية النيجرية MPN Kishiin `Kassa  وهو وزير خارجية سابق* مهامن عثمان مرشح حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري CDs وهو رئيس جمهورية سابق* البدي أبوبا مرشح حزب الحركة الوطنية لتنمية الجمهوريةMPR _Jamhuriya    وهو وزير داخلية سابق* الجنرال ساليف جيبو قائد الإنقلاب السابق فبراير 2010 مرشح حزب تقدم عدالة سلام  PJP_Generation Doubaraتحصل هذه الانتخابات في ظروف بالغة الدقة والحساسية حيث تعرضت النيجر لمجموعة من العمليات الإرهابية الكبيرة السنوات الثلاث الماضية وألتي راح ضحيتها المئات من أفراد الجيش النيجيري والشرطة والمواطنين مما حدا بالدولة إلي إعلان حالة الطوارئ في ثلاث أقاليم من أصل ثمانية تتكون منها الجمهورية وهي إقليم ديفا وتيلابيري وطاوا .ومن الناحية السياسية تعتبر أول انتخابات بعد أن يكمل الرئيس عهدته الدستورية وهي ولايتين رئاسيتين مدة كل منهما خمس سنوات حيث رفض الرئيس محمدو إيسوفو كل العروض والمغريات من أجل تعديل الدستور والسماح له بفترة رئاسية ثالثة في موقف يدل على نضج سياسي وبعد نظر .تتميز هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية بمشاركة وأسعة حيث يتنافس على الرئاسة رئيس سابق ورئيس انتقالي سابق ورئيس وزراء سابق ووزراء داخلية وخارجية ومستقلين وهذا يدل على تماسك وتطور التجربة الديمقراطية في جمهورية النيجر .حصلت جمهورية النيجر على استقلالها من فرنسا ستينيات القرن الماضي ومثلها مثل معظم الدول الإفريقية شهدت أحداث سياسية مختلفة وعدم استقرار خصوصآ في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي من حركات تمرد مختلفة من مكونات النيجر خصوصا العرب والطوارق والتبو في شمال وشرق النيجر وأيضآ انقلابات عسكرية واغتيالات سياسية .تتواجد جمهورية النيجر في موقع حساس جغرافيآ فهي تجاور نيجيريا جنوبآ والجزائر وليبيا شمالآ وهذه أهم ثلاث بلدان للطاقة في إفريقيا بالإضافة إلي تشاد شرقآ وبوركينا ومالي شمال غرب وبنين جنوب غرب ألتي توفر المنفذ البحري الرئيسي للنيجر، هذا الموقع الجغرافي المتميز مع كبر مساحة البلد ألتي تتجاوز مليون وربع كيلو متر والثروات الطبيعية الكامنة في أراضيها وعدد سكان يتجاوز عشرين مليون يدين غالبيتهم بالإسلام .جعل النيجر تحظى باهتمام كبير لدى العديد من القوى العظمى والإقليمية وجعلها تتصدر الأجندات السياسية والأمنية في السنوات الماضية ، وفي ديسمبر 2000 تأهلت النيجر لبرنامج خفض الديون للدول الأشد فقرآ في العالم والتابع لصندوق النقد الدولي وفي ديسمبر 2005 أعلن صندوق النقد الدولي عن رفع الديون عن النيجر بنسبة 100 %.تعتمد النيجر على توفير نصف ميزانيتها من المعونات من الدول المانحة وتوجد لدى النيجر صادرات مهمة بجانب اليورانيوم مثل الذهب والنفط بالإضافة إلي الثروة الحيوانية الضخمة، لقد نجح الحزب الحاكم في النيجر (الحركة من أجل الديمقراطية والاشتراكية PNDS-TARYYA ) والرئيس محمدو إيسوفو في العشر سنوات الماضية من جعل أنفسهم القوى الأهم في النيجر من خلال النجاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتعزيز مبدأ سيادة القانون والانفتاح على العالم وجعل العاصمة نيامي إحدى أهم العواصم الصاعدة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل من خلال الدور المحوري للنيجر في الحرب على الإرهابوتحصلت النيجر على العضوية الغير دائمة لمجلس الأمن الدولي 2020 |2021 ورئاسة مجموعة غرب إفريقيا الإيكواس التي تضم خمسة عشرة دولة .وتحتل النيجر المرتبة الخامسة على مستوى حرية الصحافة والإعلام في غرب إفريقيا والمرتبة التاسعة على مستوى إفريقيا ولا يوجد سجين سياسي واحد في النيجر ، كل هذه المكاسب عززت من رصيد الحزب الحاكم وجعلت تقة النيجيرين والمجتمع الدولي تزداد فيه في ظل ظروف صعبة استثنائية في المنطقة .رشح الحزب الحاكم PNDS-TARYYA في مؤتمره العام فبراير 2019 وزير الداخلية محمد بعزوم مرشح رئاسي لخوض الانتخابات الرئاسية ديسمبر 2020، لقد كان هذا الترشيح المبكر خطوة ذكية لقطع الطريق على أي اصطفافات داخل الحزب الحاكم وهو يلقي مسؤولية مضافعة على المرشح الرئاسي الذي كان وزيرآ للداخلية في ظل تحديات أمنية معقدة .ينحدر محمد بوعزوم من قبيلة أولاد سليمان العربية وهو شخصية عصامية درس الفلسفة في السنغال وكان من الكوادر الطلابية والنقابية النشطة جدآ وتدرج في مختلف المواقع وكان من مؤسسي الحزب الحاكم الذي كان حزب المعارضة الرئيسي .مما لاشك فيه إن استقرار النيجر يمثل أهمية كبيرة لمحيطها، وهي من خلال هذا الموقع الفريد والمتميز جعلها على إتصال بشمال إفريقيا ووسط إفريقيا ومنطقة الساحل وغرب إفريقيا وأي حالة عدم استقرار سوف تنعكس على كل المنطقة وتساهم في تقويض الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب والتطرف في هذه المنطقة ولقد كان للدولة الليبية دور كبير في ما وصلت إليه النيجر من حالة استقرار وسلم أهلي .وفي هذا المقام وهذه المناسبة نوجه التحية والتقدير إلي الدكتور محمد المدني الأزهري الأمين العام لتجمع دول الساحل والصحراء الذي كان لبعد نظره ورجاحة عقله وتقة القيادات الإفريقية فيه دور كبير في إقناع كثير من قادة الحركات المتمردة إلي الجنوح إلي السلم والتنازل من أجل النيجر وتقديم الضمانات وعقد المصالحات بينهم مما انعكس سلبآ على الحياة السياسية وأدى إلي هذا التطور وتحقيق هذه المكاسب الكبيرة الأن.ولا يمكن ذكر النيجر دون ذكر منصور المهدي صالح أو الحاج منصور كما يحب أن نناديه فقد كان رحمه الله الذي فارقنا في مثل هذه الأيام من عام مضى صاحب أيادي بيضاء ومساهمات فعالة من أجل دعم العمل الإنساني في النيجر من خلال جمعية أخوة الجنوب الذي شرفنا بالعمل تحت قيادته وكان نعم الأخ ونعم المسؤول رحمه الله .ولا يمكن أن نتجاوز دور اللواء حسين الكوني السفير الليبي السابق في النيجر رئيس المجلس الاجتماعي لقبائل الطوارق رحمه الله الذي غادرنا منذ أسابيع، فلا تجد مكان في النيجر إلا ويذكر العم حسين كما يحب أن نناديه بكثير من التقدير والاحترام من خلال جهوده مع الجالية الليبية فقد ساعد آلاف من خلال تقديم مختلف أشكال الدعم ومساعدتهم على الحصول على مختلف الوتائق ألتي تسهل عودتهم لوطنهم والتواصل مع أهلهم .لقد كان لمساهمة هؤلاء الرجال دور كبير في كل ما يحصل في النيجر وهذا نابع من حرصهم ومسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية ورغم علاقاتنا الشخصية المتميزة مع كل المترشحين للانتخابات في النيجر فإننا بلا شك نتمنى وندعم فوز المرشح الرئاسي محمد بعزوم حتى يتوج مسيرته السياسية الطويلة بأن يشغل الموقع الأهم في النيجر وهو أهل وكفاءة لهذا الموقع وكل التوفيق للمرشحين للجمعية الوطنية وعلى رأسهم أخونا النائب أحمد حميدة الزوي والذي كان له دور كبير في تطوير العلاقات الليبية النيجرية.للأسف هناك كثير من الليبيون ينظرون إلي الدور الليبي السابق في إفريقيا بازدراء واستخفاف وهناك محطات في هذا الدور عليها تحفظات نتفق معهم عليها جميعآ ، وما نشاهده اليوم من تدافع دولي وإقليمي على إفريقيا يدفعنا إلي دعوة كل القيادات ألتي تتصدر المشهد لإعادة ترتيب الأولويات في هذا الاتجاه، على سبيل المثال لا الحصر فإنه في أقل من عامين عقدت أكثر من ست لقاءات إفريقية مع دول عظمى حيث عقد شهر سبتمبر 2018 المنتدى الصيني الإفريقي في بكين وتعهدت الصين بتقديم 60 مليار دولار قروض واستثمار وشهد شهر أغسطس 2019 لقاء إفريقيا واليابان في يوكوهاما وبعد شهرين في أكتوبر 2019 بسوتشي عقد المنتدى الإفريقي الروسي وشهد مشاركة 6 ألاف شخص وعقد في ألمانيا ببرلين شهر نوفمبر 2019 لقاء إفريقيا وألمانيا وفي يناير 2020 عقدت قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية وتأجلت قمة فرنسا إفريقيا المقررة يونيو 2020 بسبب جائحة كورونا .من المؤكد إن كل هذه اللقاءات والقمم لم تكن من فراغ أو ترف في الوقت والإمكانيات، ولقد تهكمت الصحافة البريطانية على رئيس الوزراء بوريس جونسون حينما استضاف قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية حيث لم يحضر إلا 15 رئيس إفريقي في حين منتدى الصين إفريقيا 2018 حضره كل القادة الأفارقة وإن رئيس الوزراء بوريس جونسون لم يزور أي دولة إفريقية في حين إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زار 16 دولة إفريقية منذ انتخابه عام 2017 .مما لا شك فيه إننا في ليبيا بأمس الحاجة إلي مراجعة علاقاتنا الخارجية حيث إن البعد الإفريقي أو الصحراوي هو أحد الأبعاد الأربعة الرئيسية ألتي أشار إليها العالم الجغرافي الكبير جمال حمدان في كتابه المهم عن جغرافية ليبيا السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى